أمير سعيد (المصريون) : بتاريخ 7 - 10 - 2009
في وقت تحث الدوائر الطبية في مصر تلاميذ المدارس والمعاهد الأزهرية على ارتداء الكمامات خوفاً من انتشار مرض أنفلونزا الخنازير، ينبري شيخ الأزهر ووزير التعليم العالي للنقاب ومرتدياته سعياً لنزعه عن وجوههن!! ممثل الأزهر الأول بدلاً من أن يستغل فرصة مروره ليتأكد من الرعاية الصحية لأطفال المعهد الديني الذي يزوره، والتزام التلميذات بالاحتياطات اللازمة للوقاية من الإصابة بالمرض ومنها وضع الكمامات ما أمكن على وجوههن استفزه ارتداء تلميذة للنقاب فأوسعها وعظاً طنطاوياً وتقريعاً عنيفاً لها و"للي خلفوها" على حد أدبيات الرجل وطريقته في الوعظ. بالطبع، لم ترتدِ الفتاة الصغيرة النقاب وقاية من المرض الذي ربما لا تحظى هي من خلال إمكاناتها الشخصية أو إمكانات المعهد نفسه والثقافة السائدة بين رعايا ممثل الأزهر الأول بين الأنام، لكنها على كل حال صنعت ـ دون تعمد ـ ما تفعله العديد من أخواتنا غير المنتقبات في المواصلات العامة والأماكن المزدحمة ـ التي لا يراها شيخ الأزهر منذ زمن بعيد ـ هذه الأيام، من وضع أطراف أحجبتهن على أنوفهن اتقاء انتقال العدوى إليهن وسط الزحام؛ فالزهرة المتدينة الخلوقة لم تفعل أكثر مما تفعله النساء ممن يضعن المناديل أو طرف الحجاب على وجوههن أحياناً كأضعف الإيمان عوض الكمامات.
وإزاء ذلك، وإذا كان لدى الرجل حساسية خاصة من تغطية الوجه مثلما توجد لدى ضيفه القديم نيكولاي ساركوزي، الذي قال مرة في يونيو الماضي: "البرقع ليس رمزا دينيا وإنما رمز استعباد للمرأة، وأريد أن أؤكد علنا أن البرقع غير مرحب به في أراضي الجمهورية الفرنسية"، وكذلك وزير التعليم العالي الذي تمكن من تحويل مظاهرات جامعة القاهرة من الاحتجاج على انتهاك حرمة المسجد الأقصى المبارك، ومقدمات هدمه إلى مظاهرات حقوقية تتعلق بالقرار غير الدستوري الذي أصدره ويمنع بموجبه المنتقبات من الإقامة في النزل الجامعية الخاصة بجامعة القاهرة. وزير الصحة يطالب بوضع الكمامات وممثل الأزهر الأول في العالم ووزير التعليم العالي يخلعا النقاب عن وجوه الفتيات عملياً بمنعهن من التعليم به!! والجميع يستعد لتبشير الحجاج بإلغاء الحج والفتاوى التي عميت عن كل أماكن الازدحام وأخفق مطلقوها سواء أكانوا شيوخاً أم مسؤولين "تكنوقراط" في تطبيقها في أي مكان مزدحم آخر كدور السينما والمسارح والأسواق المكتظة.. الخ أو بالأحرى لم يتحمسوا لفعل هذا، وفشلوا في توفير الكمامات للتلاميذ في المدارس فصدروا مشكلة النقاب!!
لقد اقتضت العولمة وحوار الحضارات والديانات أن نستدعي "القرف" الأوروبي من النقاب إلى ديارنا، وننتفض كالملسوعين كلما سمعنا سيرته، ونحرك كل البيادق لهزيمته بالضربة القاضية، ومادمنا سنستورد المصل العجيب من الشركة البريطانية فلا مانع أن نستورد معه انطباع رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير الذي يعتبر "النقاب الإسلامي علامة فصل"، ووزير الخارجية والداخلية البريطاني السابق جاك سترو بـ"أنه تعبير مرئي للاختلاف والتفرقة، فارتداءه كفيل بأن يجعل من العلاقات بين المجتمع أكثر صعوبة".لا فارق كبيراً في المضمون المفاهيمي، لكن الشكل بالتأكيد مختلف ما بين عبارات البريطانيين الدبلوماسية، وتعبير "أكتر من اللي خلفوكي" التي استخدمها شيخ الأزهر، والفحوى أن النقاب ليس مرحباً به لدى هؤلاء وأولئك، وأيضاً ثمة اختلاف آخر ما بين التعامل البريطاني مع النقاب المستند إلى ثقافة غربية وإجراءات سياسية وقانونية معقدة، وتسمر الرجل في الفصل حتى يتحقق "النصر" ومشاهدة أثر فتواه ثم قراره الفوري "الرائد"، والذي فتح النار بالمناسبة على كل المنتقبات في لحظة واحدة لاعتبار أنه ليس مقبولاً أن تجبر فتيات الأزهر على خلع النقاب وترتدينه الطالبات الأخريات في جامعاتهن "المدنية"..
النقاب وفقاً لهذا التقدير الأزهري قطعة قماش ضارة جداً بالدين والتعليم يجب على الفور نزعه دون التفات لأي تقديرات حقوقية لأنها ـ أي تلك المنظمات الحقوقية ـ في الحقيقة عن كل فضل كليلة، ولا تستأهل منها الالتفات إلى حقوق النساء في ارتداء ما يردن، وأيضاً، دون النظر إلى دستورية القرار، لأن النقاب أخطر من أزمة المياه القادمة على مصر، والتي بدأت نيوزويك التسويق بقوة قبل أسبوعين إلى وجوب تقليل حصة مصر منها، وأهم من حفريات الأقصى التي جعلته أحد عجائب الدنيا السبع كمسجد معلق في الهواء، وأولى من التهديدات المحدقة بأمن مصر الجنوبي بدءاً من الصومال واليمن والسودان الغائبة أيدينا عنها، وأغلى من دم الجندي الذي استشهد على الحدود أمس، وأهم من تحديات التعليم والإعلام والاقتصاد والثقافة، بل والصحة ذاتها التي تنفذ "شو" دعائي في موضوع الخنازير وتتلافى كل كوارث مصر الصحية الناجمة عن جملة من الخطايا أنتجت في مجموعها نسباً وبائية عالية في مرضى فيروس الكبد الوبائي والسرطان وأمراض الكلى وغيرها..هو قطعة قماش ضارة جداً بالدين والتعليم والحداثة أيضاً؛ فمنظمات المرأة تفضل تكميم النساء على حريتهن في ارتداء النقاب، ووزير التعليم العالي يفضل التكميم وحرمان الطالبات من حقوقهن في السكن الجامعي على النقاب، وشيخ الأزهر يبغض النقاب ويرحب بالتكميم ما دام هذا هو تقدير الجهات الصحية!!
المشكلة أضخم من ذلك، لقد كانت التلميذة غير جميلة في نظر ممثل الأزهر الأول أمام العالم، ولذا لا ينبغي لها أن تخفي وجهها، وهي مدعاة للتجهم والغضب والثورة بوجهها، لكن الجمال رأيناه في وجه بيريز حين صافحناه مستبشرين، وفي وجه ساركوزي ناكسي الرؤوس، وفي وجه الحاخامات مرحبين، ورأينا الإيمان يشع من وجوه لو بدت للشمس لم تنشر حرارة، إنه جمال وإيمان لا يراه إلا أصحاب العدسات المعتمة، والعقول الفارغة، ودونهم كل قيمة وكل حرية وكل فضيلة..
لقد كانت المشكلة يا سادة في قطعة القماش التي تغطي وجه الصغيرة، وثورة الغضب رهينة بهذا المنظر المستفز الذي تغلي الدماء لهوله في العروق وتتضاءل دونه رؤية الأقصى مترنحاً من توالي الضربات وكثرة المعاول، ويقفز فوق فضيحة تبرئة الأتباع لـ"إسرائيل" من تقرير جولدستون، إنه منظر التلميذة ترتدي قطعة قماش..
حسناً، أيتها الصغيرة، اخلعي نقابك، وارتدي كمامة كبيرة قليلاً لتغطي وجهك الصغير.. عندها سيطامن "الثوار" ويهدئون.. إن المشكلة في "الكمامة"، وفي فقه أكبر عمامة: نزع النقاب ووضع الكمامة.. فقه "الكمامة".. حقاً إنها "كمامة"!!
0 التعليقات:
إرسال تعليق